الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

شُرفات منسية ـ شعر


شُرُفات منسية
12كانون أول 2009م

قمرٌ يتغنى ،
وامرأةٌ تشربُ من قلبي ماء الغيم ،
تُفتِّشُ في حجرات القلبِ بنات الريحِ ،
تُفتِّحُ كلَّ جِهات العمرِ ،
ولا ينأى هذا الريفيُّ الواقف عند مصبّات الأنهار ،
يُقيتُ الجرحَ ،
تخطى الحاجز يوم اغتيل ،
وكان يُغني ،
للأطفال المعترفين بذاكرة الفرح المهجور ،
بلا مطرٍ وبلا عشبٍ وبلا أزهارٍ برّية .

فيُراودُ كلَّ نساءِ الأرضِ ويرتحلُ
لبلاد الشمس ، ولا يصلُ
لسماءٍ تُمطرهُ فِيّا

يَنْشُدُ أشجاركِ في ذاكرتي ،
أحمله من حيث يفيضُ ،
أُفَتِّشُ عن وطن يَتَخطّى كلَّ لغاتِ الشِّعر ،
وأركضُ خلف شياه المرعى وأغنّي ،
أقترف الحلمَ ،
فيَسْبِقُني رملُ الغرباء ،
هجيرُ المنفى ،
يلهثُ مثل عطاشٍ هَدَروا ماءَ العُمْرِ على شُرُفاتٍ مَنْسِيَّةْ .

وأنا المذبوحُ على شرفاتكِ ،
لا يتنفس غير هواءكِ ،
أتعرّى ،
تختنقُ الروح ،
وتحتلين مشارف روحي بين جهاتك ،
تعترفين بأنَّ الحزن خرافيٌّ ،
وبأنَّ الصمت خرافيٌّ ،
وعُرى النسيان خرافيةْ .

فأهاجر من فوضاي إليك ،
أشرِّدُ روحي بين جهاتك منذُ غدوتُ وحيد القامة ،
أشهدُ أني حين وجدتكِ كانت شمسي ظامئةً فانتصر الماءُ ،
وكانت روحي آفلةً نحو النسيان ،
انكسر الظلُّ على شرفاتك ،
حين يفعتُ وقالت روحي : سأغني ،
فاكتب للشاطئ أن يحتضن الموجَ وقل للرمل كفاك ،
كفى
فالشجر الأخضر قد وقفا
وتبنى طير الحرية

أُشهِدُكِ بأني كنتُ أغني منذ سمعتُكِ ذات صباحٍ تحتلين نوافذ روحي ،
تنسابين بلون الماء على أوقاتي ،
وتُغَنّينَ كأجمل بنت شرقيةْ .

تلقين بلادك من نافذتي ،
أركض ،
أحلمُ بالألوان ،
فيسبقني شلالُ دمي ،
في لحظةُ عشقٍ صوفيةْ .

تعترفُ الآن ،
وما نَسِيَتْ قيثارةَ صوتكِ وهي تلملمُ طعمَ الرجفة في دمعتها ،
حين تناثَرَت الأوتارُ ،
وتاهَ على " الكورنيش " فؤادٌ كان يغني ،
فاحْتَرَقَتْ كفّاهُ ،
وأبقى ذاكرةً تَفْتَرِشُ الحزنَ ومنفيّاً يَتَفَيّأُ ذكرى منفيَّةْ .

يا قمر الليل ،
ويا قيثارة شعرٍ تتهادى مثل النسمات على شرفات الليل ،
وتختزن الفاتحة الأولى ،
أركضُ كل صباحٍ مُرٍّ كي أتجرَّعَ من فنجانك قهوة روحي ،
أقرأ في الصحف اليومية عن زمنٍ يغبرّ فأغلق نافذتي ،
أختزن الشارع والفقراء المنسيين على أرصفة الجوع وأبكي ،
كي ألقاني منتحراً في شمعة روح ذائبةٍ بلَّلَها الدمعُ ،
وأدعو عشبك أن يتطاول في البرية كي أقوى ،
أتفيأُ ظلَّك كل هجيرٍ ،
وأغني ،
أشربُ قهوتَه باردةً ،
أحسدُ " حَسّونكِ " حين يُغَرِّدُ في دلعٍ ،
أستحضرُ جنيّات الشعرِ ،
طريقَ العودةِ في أحلامِ المنفيين ،
نشيدَ الريحِ على الأشجارِ ،
وأسرارَ الزمن المحفورةِ في قيثارة وجداني
وأغني ، أكتبُ : ليتَ أنا ،
لانتصر الشعرُ على الضوضاء ،
وجاء يغني ،
للفقراء المنسيين ،
وللشعراء المنفيين ،
وصار الشعر فدائيا

لكني يا قيثارة صوتي ،
يا نزف الكلمات الأولى في لغتي ،
أتوجَّعُ مثل رمادٍ سار إلى قلقٍ ،
تحمله الريحُ ولا ينأى ،
وتعيد الكرَّة كلّ صباحٍ ،
أشربُ قهوتَهُ باردةً مثل الحلمِ ،
ولا ينأى هذا الريفيُّ الواقف عند مصبّات الأنهارِ ،
يُفتش في شرفات الريح عن الأسرار الليلية

عن لغةٍ كانت ذات صباحٍ تسأل عنك ،
وتلقي حَبَّكِ كلّ صباحٍ حين يُطلُّ يمام الغربةِ ،
يسأل عنك من النافذة الغربية

كي يخفي عند بنات الريح نشيج دعاءٍ
يكتبُ عند هواك البكر إقامة حزني ،
كالفقراء المجبولين بكسرة خبزٍ ،
يتخطى لغة النسيانِ ،
فهل يقوى زمن النسيان بأن يغتالك من ذاكرتي ،
حين أغادر منفياً ،
أو حين أُغادرُ مَنْ فِيّا ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق